فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال ابن زيد: الغرام الشر.
وقال أبو عبيدة: الهلاك.
والمعنى واحد.
وقال محمد بن كعب: طالبهم الله تعالى بثمن النعيم في الدنيا فلم يأتوا به، فأغرمهم ثمنها بإدخالهم النار.
{إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} أي بئس المستقر وبئس المقام.
أي إنهم يقولون ذلك عن علم، وإذا قالوه عن علم كانوا أعرف بعظم قدر ما يطلبون، فيكون ذلك أقرب إلى النجح.
قوله تعالى: {والذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ}.
اختلف المفسرون في تأويل هذه الآية.
فقال النحاس: ومن أحسن ما قيل في معناه أن من أنفق في غير طاعة الله فهو الإسراف، ومن أمسك عن طاعة الله عز وجل فهو الإقتار، ومن أنفق في طاعة الله تعالى فهو القَوام.
قال ابن عباس: من أنفق مائة ألف في حق فليس بسرف، ومن أنفق درهمًا في غير حقه فهو سرف، ومن منع من حق عليه فقد قتر.
وقاله مجاهد وابن زيد وغيرهما.
وقال عون بن عبد الله: الإسراف أن تنفق مال غيرك.
قال ابن عطية: وهذا ونحوه غير مرتبط بالآية، والوجه أن يقال.
إن النفقة في معصيةٍ أمر قد حظرت الشريعة قليله وكثيره وكذلك التعدي على مال الغير، وهؤلاء الموصوفون منزهون عن ذلك، وإنما التأديب في هذه الآية هو في نفقة الطاعات في المباحات، فأدب الشرع فيها ألا يفرط الإنسان حتى يضيع حقًا آخر أو عيالًا ونحو هذا، وألا يضيق أيضًا ويقتر حتى يجيع العيال ويفرِط في الشح، والحسن في ذلك هو القوام، أي العدل، والقوام في كل واحد بحسب عياله وحاله، وخفة ظهره وصبره وجلده على الكسب، أو ضد هذه الخصال، وخير الأمور أوساطها؛ ولهذا ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق أن يتصدق بجميع ماله، لأن ذلك وسط بنسبة جلده وصبره في الدِّين، ومنع غيره من ذلك.
ونعم ما قال إبراهيم النَّخَعيّ: هو الذي لا يجيع ولا يعرى ولا ينفق نفقة يقول الناس قد أسرف.
وقال يزيد بن أبي حبيب: هم الذين لا يلبسون الثياب لجمال، ولا يأكلون طعامًا للذة.
وقال يزيد أيضًا في هذه الآية: أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا لا يأكلون طعامًا للتنعم واللذة، ولا يلبسون ثيابًا للجمال، ولكن كانوا يريدون من الطعام ما يسدّ عنهم الجوع ويقوّيهم على عبادة ربهم، ومن اللباس ما يستر عوراتهم ويكنهم من الحرّ والبرد.
وقال عبد الملك بن مروان لعمر بن عبد العزيز حين زوّجه ابنته فاطمة: ما نفقتك؟ فقال له عمر: الحسنة بين سيئتين، ثم تلا هذه الآية.
وقال عمر بن الخطاب: كفى بالمرء سرفًا ألا يشتهي شيئًا إلا اشتراه فأكله.
وفي سنن ابن ماجه عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت» وقال أبو عبيدة: لم يزيدوا على المعروف ولم يبخلوا.
كقوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط} [الإسراء: 29] وقال الشاعر:
ولا تغلُ في شيٍء من الأمر واقتَصَد ** كلاَ طَرَفَيْ قصدِ الأمورِ ذميمُ

وقال آخر:
إذا المرءُ أعطى نفسَه كلَّ ما اشتَهتْ ** ولم يَنْهها تاقت إلى كل باطل

وساقت إليه الإثم والعار بالذي ** دعته إليه من حلاوةِ عاجلِ

وقال عمر لابنه عاصم: يا بنيّ، كل في نصف بطنك؛ ولا تطرح ثوبًا حتى تستخلقه، ولا تكن من قوم يجعلون ما رزقهم الله في بطونهم وعلى ظهورهم.
ولحاتم طيّ:
إذا أنت قد أعطيت بطنك سؤله ** وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا

{وَلَمْ يَقْتُرُواْ} قرأ حمزة والكسائيّ والأعمش وعاصم ويحيى بن وثاب على اختلاف عنهما {يَقْتُرُوا} بفتح الياء وضم التاء، وهي قراءة حسنة؛ من قتر يقترو.
وهذا القياس في اللازم، مثل قعد يقعد.
وقرأ أبو عمرو بن العلاء وابن كثير بفتح الياء وكسر التاء، وهي لغة معروفة حسنة.
وقرأ أهل المدينة وابن عامر وأبو بكر عن عاصم بضم الياء وكسر التاء.
قال الثعلبي: كلها لغات صحيحة.
النحاس: وتعجب أبو حاتم من قراءة أهل المدينة هذه؛ لأن أهل المدينة عنده لا يقع في قراءتهم الشاذ، وإنما يقال: أقتر يقتر إذا افتقر، كما قال عز وجل: {وَعَلَى المقتر قَدْرُهُ} [البقرة: 236] وتأوّل أبو حاتم لهم أن المسرف يفتقر سريعًا.
وهذا تأويل بعيد، ولكن التأويل لهم أن أبا عمر الجَرْميّ حكى عن الأصمعيّ أنه يقال للإنسان إذا ضيّق: قتر يقتر ويقتر، وأقتر يُقتِر.
فعلى هذا تصح القراءة، وإن كان فتح الياء أصح وأقرب تناولا، وأشهر وأعرف.
وقرأ أبو عمرو والناس {قَوَامًا} بفتح القاف؛ يعني عدلًا.
وقرأ حسّان بن عبد الرحمن: {قِوَامًا} بكسر القاف؛ أي مبلغًا وسدادًا ومِلاك حال.
والقِوام بكسر القاف: ما يدوم عليه الأمر ويستقر.
وهما لغتان بمعنًى.
و{قَوَامًا} خبر كان، واسمها مقدر فيها؛ أي كان الإنفاق بين الإسراف والقتر قوامًا؛ قاله الفراء.
وله قول آخر يجعل {بَيْن} اسم كان وينصبها؛ لأن هذه الألفاظ كثير استعمالها فتركت على حالها في موضع الرفع.
قال النحاس: ما أدري ما وجه هذا؛ لأن بينا إذا كانت في موضع رفع رفعت؛ كما يقال: بَينُ عينيه أحمرُ. اهـ.

.قال أبو حيان:

ولما تقدم ذكر الكفار وذمهم جاء {لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورًا}.
ذكر أحوال المؤمنين المتذكرين الشاكرين فقال: {وعباد الرحمن} وهذه إضافة تشريف وتفضل، وهو جمع عبد.
قال ابن بحر: جمع عابد كصاحب وصحاب، وتاجر وتجار، وراجل ورجال، أي الذين يعبدونه حق عبادته.
والظاهر أن {وعباد} مبتدأ و{الذين يمشون} الخبر.
وقيل: أولئك الخبر و{الذين} صفة، وقوم من عبد القيس يسمون العباد لأن كسرى ملكهم دون العرب.
وقيل: لأنهم تألهوا مع نصارى الحيرة فصاروا عباد الله.
وقرأ اليماني: وعباد جمع عابد كضارب وضراب.
وقرأ الحسن: وعُبَدُ بضم العين والباء.
وقرأ السلمي واليماني {يُمشّون} مبنيًا للمفعول مشددًا.
والهون: الرفق واللين.
وانتصب {هونًا} على أنه نعت لمصدر محذوف أي مشيًا هونًا أو على الحال، أي يشمون هينين في تؤدة وسكينة وحسن سمت لا يضربون بأقدامهم ولا يخفقون بنعالهم أشرًا وبطرًا، ولذلك كره بعض العلماء الركوب في الأسواق.
وقال مجاهد: بالحلم والوقار.
قال ابن عباس: بالطاعة والعفاف والتواضع.
وقال الحسن: حلماء إن جهل عليهم لم يجهلوا.
قال ابن عطية {هونًا} عبارة عن عيشهم ومدة حياتهم وتصرفاتهم، فذكر من ذلك المعظم لاسيما وفي الانتقال في الأرض هي معاشرة الناس وخلطتهم ثم قال: {هونًا} بمعنى أمره هون أي ليس بخشن، وذهبت فرقة إلى أن {هونًا} مرتبط بقوله: {يمشون على الأرض} أي إن المشي هو الهون، ويشبه أن يتأول هذا على أن يكون أخلاق ذلك الماشي {هونًا} مناسبة لمشيه فيرجع القول إلى نحو ما بينّا، وأما أن يكون المراد صفة المشي وحده فباطل، لأن رب ماش {هونًا} رويدًا وهو ذنب أطلس.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكفأ في مشيه كأنما يمشي في صبب.
وهو عليه السلام الصدر في هذه الآية وقوله عليه السلام: «من مشى منكم في طمع فليمش رويدًا» أراد في عمر نفسه ولم يرد المشي وحده ألا ترى أن المبطلين المتحلين بالدين تمسكوا بصورة المشي فقط حتى قال فيهم الشاعر:
كلهم يمشي رويدا ** كلهم يطلب صيدا

وقال الزهري: سرعة المشي تذهب ببهاء الوجه، يريد الإسراع الخفيف لأنه يخل بالوقار والخير في التوسط.
وقال زيد بن أسلم: أنه رأى في النوم من فسر له {الذين يمشون على الأرض هونًا} بأنهم الذين لا يريدون أن يفسدوا في الأرض.
وقال عياض بن موسى: كان عليه السلام يرفع في مشيه رجليه بسرعة وعَدْوِ خطوة خلاف مشية المختال، ويقصد سمته وكل ذلك برفق وتثبت دون عجلة كما قال: إنما ينحط من صبب وكان عمر يسرع جبلة لا تكلفًا.
{وإذا خاطبهم الجاهلون} أي مما لا يسوغ الخطاب به {قالوا سلامًا} أي سلام توديع لا تحية كقول إبراهيم عليه السلام لأبيه {سلام عليك} قاله الأصم.
وقال مجاهد: قولًا سديدًا فهو منصوب بقالوا.
وقيل: هو على إضمار فعل تقديره سلمنا {سلامًا} فهو جزء من متعلق الجملة المحكية.
قال ابن عطية: والذي أقوله أن {قالوا} هو العامل في {سلامًا} لأن المعنى قالوا هذا اللفظ.
وقال الزمخشري: تسلمًا منكم فأقيم السلام مقام التسليم.
وقيل: قالوا سدادًا من القول يسلمون فيه من الأذى والإثم والمراد بالجهل السفه وقلة الأدب وسوء الرغبة من قوله:
ألا لا يجهلن أحد علينا ** فنجهل فوق جهل الجاهلينا

انتهى.
وقال الكلبي: وأبو العالية نسختها آية القتال.
قال ابن عطية: وهذه الآية كانت قبل آية السيف فنسخ منها ما يخص الكفرة وبقي حكمها في المسلمين إلى يوم القيامة، وذكره سيبويه في هذه الآية في كتابه وما تكلم على نسخ سواه.
ورجح به أنه المراد السلامة لا التسليم لأن المؤمنين لم يؤمروا قط بالسلام على الكفرة، والآية مكية فنسختها آية السيف.
وفي التاريخ ما معناه أن إبراهيم بن المهدي كان منحرفًا عن عليّ بن أبي طالب فرآه في النوم قد تقدمه إلى عبور قنطرة، فقال له: إنما تَدَّعي هذا الأمر بامرأة ونحن أحق به منك، وكان حكى ذلك للمأمون قال: فما رأيت له بلاغة في الجواب كما يذكر عنه فقال له المأمون: فما أجابك به؟ قال: كان يقول لي سلامًا سلامًا، فنبهه المأمون على هذه الآية وقال: يا عم قد أجابك بأبلغ جواب.
فخزي إبراهيم واستحيا، وكان إبراهيم لم يحفظ الآية أو ذهب عنه حالة الحكاية.
والبيتوتة هو أن يدرك الليل نمت أو لم تنم، وهو خلاف الظلول وبجيلة وأزد السراة يقولون: بيات وسائر العرب يقولون: يبيت، ولما ذكر حالهم بالنهار بأنهم يتصرفون أحسن تصرف ذكر حالهم بالليل والظاهر أنه يعنى إحياء الليل بالصلاة أو أكثره.
وقيل: من قرأ شيئًا من القرآن بالليل في صلاة فقد بات ساجدًا وقائمًا.
وقيل: هما الركعتان بعد المغرب، والركعتان بعد العشاء.